يدهشنا المؤرخون، في موضوع صلة البحرين التاريخية (الأحساء والقطيف وأوال) بالإسلام، بحديثهم عن قِـدَم تلك الصلة، وعن قوّتها واتساعها. كيف يمكن لمنطقة في أقصى شرق الجزيرة العربية أن تتأثر بالدعوة الإسلامية المنبثقة في أقصى الغرب، وأن تعلن إسلامها عن اقـتـناع (بدون حرب) قبل أن تسلم المناطق القريبة من المدينة المنورة بما فيها مكة نفسها، وقبائل وسط الجزيرة العربية؟.

تمهيد

يشير ابن حجر في إصابته إلى أن صلة قبائل عبد القيس القاطنة في البحرين يومئذ بالرسول كانت قبل الهجرة، أو هي في عام هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة، حينما بعث المنذر بن عائذ العبدي (المعروف بالأشج) ابن أخته إلى مكة ليقابل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتأكد من نبوته، فعاد إلى البحرين مسلماً، وأسلم الأشج وكتما اسلامهما.

وتهيأ دخول المنطقة للإسلام في السنة السادسة للهجرة، حينما بعث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي الذي كان حاكماً على البحرين باسم الفرس، وقد دفع العلاء بكتاب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إليه، وتقول المصادر التاريخية أن المنذر تردد، فقال له العلاء: (يا منذر إنك عظيم العقل في الدنيا، فلا يصغرنّ بك عن الآخرة، إن المجوسيّة شرّ دين، وليس فيها تكرم العرب، ولا عظم أهل الكتاب….. ولست بعديم رأي، فانظر لمن لا يكذب ألاّ تصدقه، ولمن لا يخون ألاّ تأتمنه، ولمن لا يخلف ألاّ تثق به، فإن كان أحد هكذا فهو هذا النبي… الخ).

فوافق المنذر على ذلك وأعلن إسلامه: (قد نظرت في هذا الذي بيدي من الملك، فوجدته للدنيا، ونظرتُ في دينكم فوجدته للدنيا والآخرة، فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت). وقد أسلم المنذر وعرض الإسلام على السكان فمنهم من قبل ومنهم فضل دفع الجزية، وكتب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)كتاباً جوابياً سنأتي إلى نصه.

الوفد البحراني للرسول (ص)

في السنة التالية، السابعة للهجرة، وفد إلى المدينة المنورة ـ وبأمر من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ مجموعة من شخصيات المنطقة المعروفة تاريخياً باسم البحرين لمبايعته (صلى الله عليه وآله وسلم) برئاسة الأشجّ، وقبل أن يصلوا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ليأتينّ ركب من المشرق لم يكرهوا على الإسلام». أو «سيطلع عليكم من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق». وحين وصلوا قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «مرحباً بالقوم لا خزايا ولا ندامى» ثم دعا لهم: « اللهم اغفر لعبد القيس». وأوصى أصحابه بهم: «يا معشر الأنصار أكرموا إخوانكم فإنهم أشبه الناس بكم في الإسلام، أسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين».

الوفد البحراني الثاني

وبعد عامين (التاسعة للهجرة) جاء وفد البحرين إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) برئاسة الجارود العبدي لذات الغرض: إعلان الولاء والبيعة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .

ما يهمنا أن صلة البحرين بالإسلام قديمة، إذ كانت ثاني منطقة تدخل الإسلام بعد المدينة، وكان مسجدها (في هجر/ الأحساء) الثاني الذي تقام فيه صلاة الجمعة في الإسلام، بعد مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو مسجد جواثا، الذي كانت إطلالة ظاهرة للعيان حتى وقت قريب.

البحرين التاريخية

وقد كان لدخول البحرين الإسلام أثرٌ كبير في نشر الدعوة الإسلامية، خاصة لما كانت تتحلّى به من مكانة اقتصادية كبيرة، حيث تتحدث كتب التاريخ والسير عن أموال ضخمة وردت إلى مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من البحرين.

ولكن البحرين التي حافظت على أهميتها في عهد الرسول والخلافة الراشدة، بدا وكأنها قد تقلصت مكانتها بفعل توسع الفتوحات الإسلامية، حيث سيطر المسلمون على مناطق أغنى منها بكثير، ثم إن هجرة سكانية مكثفة شملت كل أرجاء الجزيرة العربية المسلمة إلى المناطق المفتوحة، وكان حجم الهجرة من البحرين كبيراً جداً خصوصاً إلى الكوفة والبصرة اللتان مصرتا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، الأمر الذي فرّغ المنطقة من سكانها بشكل كبير.

وقد تحولت البحرين في العهدين التاليين: الأموي والعباسي ـ رغم أنها أخصب أماكن الجزيرة العربية ـ إلى مجرد منفى للمعارضين، دلالة على ضعة منزلتها ـ هي واليمامة ـ عند الخلفاء يومئذ، كما يقول علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر.

وكما دلّت الكثير من الروايات التاريخية على غنى منطقة البحرين، وأشارت إلى مكانة المنطقة المسلمة حديثاً بالنسبة لحاضرة الإسلام في المدينة، فإن مكاتيب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى حكام البحرين وأهلها تؤكد على تلك الأهميّة. هذه المكاتيب، أو لنقل ما وصلنا منها، بحاجة إلى دراسة متأنيّة، ولقد فعل خيراً محمد حميد الله أن جمع مثل هذه الرسائل في كتاب حمل عنوان: مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة (دار النفائس/ بيروت/ 1403 ـ 1983 ). فقد كان مجرد جمعها أمراً بالغ الأهمية، ثم إنه عمد إلى تحقيق مصادرها، ووضع صوراً لبعض تلك المكاتيب. وقد اشتهرت ثلاث رسائل بعث بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هذه المنطقة، ولكن حجم المكاتيب أكثر من هذا الرقم.

مراسلاته (ص) مع البحرانيين

فيما يلي مجموع ما هو معروف من تلك الرسائل:

إلى المنذر بن ساوى العبدي عامل كسرى على البحرين

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد رسول الله،

إلى المنذر بن ساوى،

سلام على من اتبع الهدى، أما بعد:

فإني أدعوك إلى الإسلام، فأسلم تسلمْ يجعل الله لك ما تحت يديك.

واعلم أن ديني سيظهر إلى مُنتهى الخفّ والحافر.

رسالة أخرى إلى المنذر

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى:

سلام عليك. فإني أحمد الله إليك الذي لا إله غيره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإني أُذكّرك الله عزّ وجلّ، فإنّه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يُطع رُسُلي ويتّبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي. وإنّ رُسُلي قد أثنوا عليك خيراً. وإني قد شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه. وعفوت عن أهل الذنوب، فاقبل منهم. وإنّك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك. ومن أقام على يهوديّته أو مجوسيّته فعليه الجزية.

مكتوب المنذر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

أما بعد يا رسول الله: فإني قرأتُ كتابك على أهل بحرين، فمنهم من أحبّ الإسلام وأعجبه ودخل فيه، ومنهم من كرهه. وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث في ذلك أمرك.

ردّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على مكتوب المنذر

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى:

سلام الله عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فإن كتابك جاءني وسمعتُ ما فيه، فمن صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ما لنا، وعليه ما علينا. ومن لم يفعل، فعليه دينار من قيمة المُعافريّ.

والسلام ورحمة الله، يغفر الله لك.

مكاتبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أهل هجر

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد النبي رسول الله إلى أهل هَـجـَر.

سلمٌ أنتم. فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلاّ هو. أما بعد: فإني أوصيكم بالله وبأنفسكم، أن لا تضلّوا بعدَ إذ هُديتم، وأن لا تغووا بعدَ إذ رَشَدتم.

أما بعد: فقد جاءني وفدكم، فلم آتِ إليهم إلاّ ما سرّهم، وإنّي لو جهدتُ حقّي فيكم كلّه أخرجتكم من هَجَر، فشفعتُ غائبكم، وأفضلت على شاهدكم، فاذكروا نعمة الله عليكم.

أما بعدُ : فقد أتاني الذي صنعتم، وإنه من يُحسن منكم لا يُحمل عليه ذنبُ المسيء. فإذا جاءكم أُمرائي فأطيعوهم، وانصروهم على أمر الله وفي سبيله، فإنه من يَعمل منكم عملاً صالحاً، فلن يضلّ له عند الله ولا عندي.

كتابه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المنذر في مجوس هَجر

.. اعرض عليهم الإسلام، فإن أسلموا، فلهم ما لنا وعليهم ما علينا. ومن أبى، فعليه الجزية في غير أكلٍ لذبائحهم ولا نكاح لنسائهم.

من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المنذر في موضوع الجزية

.. أما بعد : فإني قد بعثت إليك قُدامة وأبا هريرة. فادفع إليهما ما اجتمع عندك من جزية أرضك. والسلام.

إلى العلاء بن الحضرمي:

عامل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)  عند المنذر بن ساوى

إلى العلاء بن الحضرمي، أما بعد: فإني قد بعثت إلى المنذر بن ساوى مَن يقبض منه ما اجتمع عنده من الجزية، فعجّله بها، وابعثْ معها ما اجتمع عندك من الصدقة والعشور. والسلام.

إلى أسيبخت، عامل هجر لكسرى

إلى أُسَيبُخْت بن عبد الله صاحبِ هَجَر:

بسم الله الرحمن الرحيم

إنه قد جاءني الأقرع بكتابك وشفاعتك لقومك، وإنّي قد شفعتك، وصدقتُ رسولك الأقرع في قومك، فأبشر فيما سألتني وطلبتني بالذي تُحبّ. ولكنّي نظرتُ أن أعلمه وتلقاني، فإن تجئنا أُكرمك، وإن تقعد أُكرمك.

أما بعد: فإني لا أستهدي أحداً، فإن تُهدِ إليّ أقبل هديّتك، وقد حَمِد عمالي مكانك، وأُوصيك بأحسن الذي أنت عليه من الصلاة والزكاة وقراية المؤمنين.

وإنّي قد سمّيتُ قومك (بني عبد الله) فَمُرهم بالصلاة، وبأحسن العمل، وأبشر.

والسلام عليك وعلى قومك.

إلى أهل عمان والبحرين

من محمد النبي رسول الله، لعباد الله الأسبَذيّين، ملوك عُمان وأسبذ عُمان مَن كان منهم بالبحرين:

إنّهم إن آمنوا، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأطاعوا الله ورسوله، وأعطوا حقّ النبي، ونسكوا نُسُكَ المسلمين، فإنهم آمنون، وإنّ لهم ما أسلموا عليه. غير أن مال بيت النار ثُنيا لله ورسوله، وإن عشور التمر صدقة، ونصف عشور الحبّ. وإن للمسلمين نصرهم ونصحهم، وإنّ لهم على المسلمين مثل ذلك. وإن لهم أرحاءهم يطحنون بها ما شاءوا.

إلى الأسبذيين أيضًا

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد رسول الله إلى العباد الأسبذيين.

سلمٌ أنتم. أما بعد ذلكم فقد جاءني رسلكم مع وفد البحرين. فقبلتُ هديتكم.

فمن شهد منكم أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فله مثل ما لنا وعليه مثل ما علينا. ومن أبى فعليه الجزية: على رأسه دينار معافا، على الذكر والأنثى. ومن أبى فليأذن بحرب من الله ورسوله.

وعليكم ألاّ تمجّسوا أولادكم. وأنّ مال بيت النار ثنياً لله ولرسوله.

وعليكم في أرضكم، مما أفاء الله علينا، منها مما سقت السماء أو سقت العيون: من كل خمسة واحد. ومما يسقى بالرشا والسواني: من كل عشرة واحد.

وعليكم في أموالكم: من كل عشرين درهماً درهم، ومن كل عشرين ديناراً دينار.

وعليكم في مواشيكم الضعف مما على المسلمين. وعليكم أن تطحنوا في أرحائكم لعمّالنا بغير أجر.

والسلام على من اتبع الهدى.

إلى الهلال صاحب البحرين

سلمٌ أنتْ. فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو، لا شريك له، وأدعوك إلى الله وحده، تُؤمن بالله، وتُطيع وتدخل في الجماعة فإنه خير لك.

والسلام على من اتبع الهدى.

إلى قبيلة عبد القيس (في البحرين)

من محمد رسول الله إلى الأكبر بن عبد القيس:

إنهم آمنون بأمان الله وأمان رسوله، على ما أحدثوا في الجاهلية من القُحَمْ. وعليهم الوفاء بما عاهدوا. ولهم ان لا يُحبسوا عن طريق الميرة، ولا يُمنعوا صوبَ القطر، ولا يُحرموا جريم الثمار عند بُلوغه. والعلاء بن الحضرمي أمين رسول الله على بَرّها وبحرها، وحاضرها وسراياها وما خرج منها. وأهل البحرين خُفراؤه من الضيم، وأعوانه على الظالم، وأنصاره في الملاحم. عليهم بذلك عهد الله وميثاقه، ولا يُبدّلوه قولاً، ولا يُريدوا فُرقةً. ولهم على جند المسلمين الشركة في الفيء، والعدلُ في الحكم، والقصدُ في السيرة، حُكم لا تبديل له في الفريقين كليهما. والله ورسوله يشهد عليهم.

الى عبد القيس أيضا

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب من محمد رسول الله لعبد القيس، وحاشيتها من البحرين وما حولها.

إنكم أتيتموني مسلمين، مؤمنين بالله ورسوله، وعاهدتم على دينه. فقبلتُ، على أن تطيعوا الله ورسوله فيما أحببتم وكرهتم، وتقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، وتحجّوا البيت، وتصوموا رمضان. وكونوا قائمين بالقسط ولو على أنفسكم. وعلى أن تؤخذ من حواشي أموال أغنيائكم فتُردّ على فقرائكم، على فريضة الله ورسوله في أموال المسلمين.

والحمد لله رب العالمين.