مفهوم الدولة والشعب:

أقصد بالدولة الشعب والحزب أو الجماعة الحاكمة له في أرضه وتحت سلطانه وفي حيازته وملكه، لذلك لا أشترط في هذه الدولة أن تكون دولة كبيرة كالدولة الرومانية أو اليونانية أو الساسانية، فقد تكون الدولة.حكومة قريَة مثل يثرب أو مكة، وقد تكون حكومة قبيلة، وقد تكون أكبر من ذلك وأوسع مثل دولة الحيرة ودولة الغساسنة ودول اليمن. فلا علاقة اذن لكبر أو لصغر الحكومة بمفهوم الدولة في نظري، فكل حكومة جاهلية مستقلة، هي عندي مع شعبها أي التابعين لها دولة صغرت أم كبرت.

وألشعب في الجاهية وعند الجاهليين، هو القبيلة. فالقبيلة هي أصل الدولة ونواتها، وتقوم على رابطة الدم، أي على فكرة ان القبيلة هي من صلب رجل عاش حقاً ومات، وان أفرادها من هنا يرتبطون بينهم برابط الدم،اَي ان بينهم قرابة وصلة رحم. أما وطن القبيلة، فالأرض التي نشأت فيها، ثم الأرض التي هي عليها. فمن القبيلة ومن أرضها، تكونت دولتها، وعلى رأسها سيد القبيلة.

هذا بالنسبة إلى اللأعراب، أما بالنسبة إلى الحضر، فإن فكرة الدولة عندهم تختلف باختلاف درجه اولئك الحضر. فالدولة في العربية الجنوبية، تجمع شمل قبائل عديدة كما تضم طوائف وفئات رسمت لها حدود معينة وحددت بحدود وقيود، فلا تتجاوزها. وقد حدد المجتمع مكانتها ومنزلتها بحيث جعل من المجتمع العربي الجنوبي مجتمعاً طبقياً. يتمتع فيه الملوك ومن يأتي بعدهم من حكام وأصحاب معبد وأرض بأعلى المنازل، ثم تليهم بقية الطبقات حسب قوتها ومكَانتها إلى أن تصل الى سواد الناس، وأقلهم منزلة الرقيق واصحاب الحرف المبتذلة.

وهو نظام بقيت روحه وجذوره قائمة ئي اليمن الى الوقت الحاضر، ولكنه بدأ يجابه بمقاومة روح العصر وتقدم البشرية، فأخذ يتهدم بعض التهدم حسب مواطن الضعف في البناء. وأما في الأماكن الحضرية الأخرى، مثل العربية الشرقية وفي الحجاز، أو نجد، فإن درجة فهم الناس فيها للدولة، اختلف فيها، باختلاف تقدم ذلك المكان في ألحضارة وباتصاله بالعالم الخارجي.

وبفضل عثور الباحثين على كتابات تعود إلى عهود مختلفة من تأريخ العربية الجنوبية، استطعنا الالمام بعض الالمام بشيء من نظم، الدولة في تلك الارضين. وفي جملتها طرق الحكَم فيها ونفوذ رجال، الدين وأصحاب الارض و الحياة ألاقتصادية التي جعلت العربية الجنوبية مجتمعاْ مكوناَ من طبقات، يسيره ألحكام ورجال الدين وأصحاب المال والأرض. أما بالنسبة ان المواضع الأخرى، فإن علمنا عن هذه الأمور هو دون علمنا عن العربية الجنوبية بكثير، بسبب عدم عثور الباحثين على كتابات جاهلية فيها، نستطيع أن نستلهم منها وحينا عن الماضي البعيد. ولذلك فعلمنا عنها ضحل،اعتمد أكثره من أخبار اهل الأخبار، وهي فجة أو مصنوعة، أو محرفة حرفها مرور الزمن،أو مدسوسةعمداً من اخباري أراد اظهار علمه للناس،أو من متعصب لقبيلة أراد بدسه الأخبار التفريج عن عاطفة التعصب الكامنة في نفسه.

ويعبر عن سكان القرى والمدن ب”أهل” وب “آل”. فيقال “أهل مكة” و “أهل يثرب”، ويراد بهم قطان مكة وسكان يثرب، و “شعب” في التعبير الحديث، على اعتبار أن كل مدينة مستقلة بشؤونها قائمة بإدارة أمورها وهي حكومة ذاتية يدير حكمها سادات المدينة. على نحو ما كَان عليه الوضع في القرى الأخرى من الحجاز وفي نواحٍ عديدة من جزيرة العرب. وإذا أصيب احدهم بضيم، أو أراد شيئا يتطلب العون والمساعدة نادى: “يا أهل مكة” أو “يا آل مكَة”، فيلبي ساداتها نداءه ويمضون في معالجة أمره، والغريب عن “اهل مكة”، له حق النخوة والاستجارة، فإذا نادى بشعارها حصل على من يدافع عنه ويأخذ حقه ممن ظلمه.

ويشعر سكان المدن والقرى انهم كالقبيلة من اصل واحد، وأن لهم جداً أعلى، يرجع نسبهم اليه، أو جدهّ إن انتمى اهل المدينة إلى امرأة. وذلك، لاعتقادهم أنهم من قبيلة واحدة في الأصل، هاجرت إلى هذا المكان فسكنت نيه. فمرجع نسب مكة الى “قريش”، ونهاية نسب اهل يثرب من الأوس والخزرج الى “قيلة” جدتهم، وشب أهل الطائف الى ثقيف. فنحن إذن وإن كنا امام مدن وقرى، اي أمام عرب حضر، لكننا في انفسنا امام نظم تقوم على أسس قبلية وعقلية قبلية. فالقرية في الواقع قبيلة مستقرة تمركزت في مكان واحد. وقد تمسكت بنظم تفرع القبيلة وبالعصبية، وبما إلى ذلك من عرف مجتمع أهل البادية. وقد بقيت رابطة النسب وصلة الدم بها قوية. ذلك لأن تلك القرىَ، وإن جلبت اليها الأجانب والغرباء، غير انها بقيت مجتمعات منعزلة، لأن وسائل الاختلاط لم تكن مهيئة لها فيَ ذلك الوقت، حتى نجبرها على الخروج عن العزلة، والاختلاط بالغير، اختلاطاً شديداً على نحو ما يحدث للحضر في الأمكنة المتحضرة الممتزجة بالسكان.

وجدّ القبيلة، هو مصدر إلهامها، ورابطها الروحي الذي يربط بينها. باسمه تتنادى في الغزوات والحروب، لتبعث حرارة الاندفاع والحماسة في القتال، وبه يدعو للنخوة أبناؤها ومن يلتجئ إلى القبيلة من مولى أو جار، وبقبره يلاذ إن كان له قبر، وباسمه يحلف كما يحلف بأسماء الآلهة.

وللقبائل مصدر إلهام روحي آخر، هو أصنامها. فكان “المقه” صنم سبأ، وكان “ودّ” صنم “معين”، وكان للقبائل العربية الشمالية التي حاربت الآشوريين أصنام يحملونها معهم في سلم وفي حرب، ويستمدون منها المدد والعون في النزوات والحروب. ويعد سقوط الصنم في أيدي الأعداء نكسة للقبيلة وعاراً على أبنائها، لذلك كانوا لا يهدأ لهم بال حتى تعاد اليهم أصنامهم. وكان من اًهم ما يدعو القبائل العربية الى التهادن مع الآشوريين رغبتهم في استعادة أصنامهم وضمان عودتها من المنفى والأسر إلى الحرية.

ولما ظهر الإسلام كانت القبائل ما تزال تحتمي بأصنامها وتدعوها لتنصرها في الحرب،حتى من تحضّر منها واستقر، مثل أهل مكة الذين كانوا ينادون: “أعْلُ هُبَلْ. أعْلُ هُبَلْ” في حربهم مع المسلمين. أما الذين غيروا دينهم وتنكروا لعبادة الأصنام فقد احتموا بشفعاء جدد، أخذوهم من النصرانية الني دخلوا فيها، فكان لهم قديسون يلوذون بهم في أثناء القتال.

ويعبرّ عن القبيلة بلفظة “شعب” في العربيات الجنوبية. فالقبيلة والشعب إذن لفظان مترادفان على معنى واحد. الشعب بمعنى قبيلة في عربية القرآن الكريم،والقبيلة بمعنى شعب في العربيات الجنوبية. ولكن علماء العربية يفرقون بين اللفظتين، فيجعلون الشعب أكبر من القبيلة. والظاهر ان هذا التفريق قد وقع في الجاهلية القريبة من الإسلام، ونجده في القرآن الكريم في آية الحجرات: )وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم(. فذكر المفسرون ان الشعب أكبر من ألقبيلهّ. غير ان كثيراً من علماء العربية يرون أن الشعب والقبيلة في معنى واحد.

وقد وردت كلمة “شعب” في الكتابات السبئية بمعنى قبيلة كما ذكرت،فورد: “شعب سبا”، بمعنى قبيلة سبأ. وورد “سبا واشعبهمو” بمعنى “سبأ و أشعبهم”،أي السبئيون وقبائلهم، ويراد بقبائلهم القبائل الأخرى الخاضعة لهم.

ويرى بعض الباحثين في العربيات الجنوبية، ان لفظة “شعب” لا تعني عند العرب الجنوبين معنى “قبيلة” بالمعنى المفهوم من اللفظة عندنا، بل تعني جماعة ترتبط بالدولة وبالآلهة: آلهة الدولة ارتباطاَ ثقافياً واقتصادياً واجتماعياَ. فإذا قلنا شعب سبأ “شعبن سبا”، فإننا لا نقصد القبيلة سبأ، بل أمة سبأ، أو شعب سبأ بالاصطلاح الحديث. أي رابطة مواطنة تجمع شمل جميع المواطنين بالدولة جمعاً روحياً ومادياً، أي ان أمة سبأ تجمع السبئيين وغيرهم من الغرباء من أتباع حكومة سبأ، الخاضعين لحكم هذه الحكومة، ويدينون بالولاء لها ولأنظمتها ولقوانينها الروحية والمادية.

ونجد في النصوص العربية الجنوبية إشارات إلى وجود ثلث أو ربع أو نصف قبيلة. فورد: “ثلثن سمعى”، أي “ثلث سمعي”. ومعنى هذا ان جزءاً من قبيلة ما تعاون مع سكان منطقة ما لاستغلال أرض وللاستفادة من غلاتها،فيذَكر عندئذ رقم الجزء الذي نزل في هذا المكان. ولا يعني هذا بالضرورة ثلث أبناء القبيلة أو ربعها أو نصفها أوخمسها على الوجه المفهوم من القبيلة عندنا. بل يعني ذلك توزيع الأعمال والشغل على المجتمعين الذين تجاوزوا ورضوا بالعمل معا حسب الأجزاء المذكورة، التي تمثل نسب اشتراك المشتركين في العمل.

وفي العربيات الجنوبية مصطلح، له صلة بمعنى “المواطنة” والمواطنين بالمعنى الحديث. وهو مصطلح: “خمس” ويجمع على “اخمس” “أخمس”، ويراد به مواطنو مملكة أو إمارة. فهو بمعنى المواطنة أو الرعاية في الاصطلاح الحديث. فكل من يعيش في حكومة ما في اي مكان كان، من قرية أو مدينة، فهو “خمس”، أي مواطن ومن رعايا تلك الحكومة، كما نرى في هذه الفقرة في نص “معيني”: “ركل الا لت معنم ويثل وكل الالت ذا خمسم واشعبم”، و معناها: “وكل آلهة معين ويثل وكل آلهة المواطنين والقبائل”. ويراد ب “اشعبم” هنا القبائل، أي الأعرابّ واما “أخمس”، فيظهر أن المراد بها الرعايا الحضر المستقرون. ورد في نص سبئي: “خمسيهو وحميرم”، أي “مواطنو سبأ وحمير”.

وترد لفظة “جوم” “كوم”،في النصوص السبئية القديمة بوجه خاص،مثل هذه الجملة “هوصت كل جوم”. ويرى بعض الباحثين أن “هوصت” بمعنى “ملة”. و”الملة”، في الإسلام،يراد بها نظام ديني واقتصادي واجتماعي،ارتبط أفراده بمجتمع واحد، برابط الأمور المذكورة. اما لفظة “جوم” “كوم”، فترادف لفظة “قوم” في عربيتنا. وقد يكون القوم عدداً صغيراً،وقد يكون كبيراً. ويرتبط القوم برباط متين يربط افراده، هو الإله الذي ينتمي القوم أليه. فورد “جوم غثتر” و “كوم ود”، اي “قوم عثتر” “وقوم ود””. فالقوم إذن جماعة وإخوان في دين، تؤمن بإله يجمع شمل المؤمنين به،ويربط بينهم برباط العقيدة والإيمان به، لا برباط النسب وصلة الرحم والدم.

هذا، ويذكر علماء ا اللغة ان “الملة”، الشريعة والدين، كملّة الإسلام والنصرانية واليهودية، وهي في اللغة السنة والطريقة. وقد وردت في خمسة عشرموضعاً من القران الكريم. استعملت في ثمانية مواضع منها للتعبير عن دين إبراهيم: “ملة ابراهيم”. وللمستشرقين اراء متضاربة في أصل الكلمة.

المواطنون:

والمواطنون هم أبناء “القبيلة”، التي هي نواة الحكومة وجرثومتها، والتي بقوتها تكونت تلك الحكومة، والقبائل المتحالفة معها، أو التي خضعت لحكمها فتبعتها، ولهذا تذكر القبيلة ويشار اليها، باعتبار ان الحكومة هي حكومتها في الأصل ثم يشار إلى القبائل الخاضعة لها للدلالة على انها في حكم تلك الحكومة. فقد ورد في الكتابات السبئية “سبا و اشعبهمو”، بمعنى سبأ و القبائل التابعة لها.وورد: “ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في المرتفعات وفي التهائم”، وهو لقب ملوك سبأ بعد توسع رقعة سبأ واستيلاء السبئيين على غيرهم وضمهم أرضهم إلى ارض دولتهم. فدون اسم سبأ أولاً، باعتبار ان السبئيين هم العنصر الحاكم المكون الأول للدولة، ثم اشارالى من تبعهم و انضم اليهم سلما او حربا.

مجتمعات دينية:

وبين “الشعب” وإلهه رابطة مقدسة وصلة متينة لا انفصام لها. وفي استطاعتنا ان نقول ان مجتمعات العرب الجنوبيين كانت مجتمعات دينية، فالشعب عبيد الاله ن والاله بالنسبة لاتباعه اب غفور رحيم ن شفيق قدير. “الجوم” “الكوم” أي القوم ابناؤه واولاده. فالسبئيون هم ولد “المقة”، أي اولاد المقه، اله سبأ، والمعينيون هم “ولد ود”، وقد خاطبوا الههم “وداً” بعبارة “ود ابم” أي “ود اب” و “ود الاب”. وقال القتبانيون عن انفسهم “ولد عم” و “ولد عم”، أي ولد الاله “عم” واولاد الاله “عم”. وفي هذه الجمل اجمل تعبير عن وجهة نظر المجتمع الى ربه. ان رب القبيلة، هو الرابط المقدس الذي يربط شملها ويجمع بين ابنائه، وبه يعتصم الناس، واليه يلاذ في الخير وفي الشر. وقد عبر عن هذه الرابطة بلفظة جميلة هي “حبلم” في بعض الكتابات. والحبل يربط ويجمع ويجعل من المتفرق وحدة. وهو مصطلح يذكرنا بالآية الكريمة: “واعتصموا بحبل الله “، وبالآية “أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس”. فلفظة “ولد” اذن بمعنى قوم وابناء صنم أو موضع. فهي في معنى أبناء في اصطلاحنا الحديث، تستعمل قبل اسم الصنم أو الموضع أو القبيلة، لتدل على معنى المواطنة. ولا يشترط فيها أن تكون مواطنة نسب أي صلة رحم وقرابة دم، بل مواطنة دينيه ورابطة سياسية واجتماعية واقتصادية.

والإله حامي شعبه والذابّ عنه، والمؤيد له في السلم وفي الحرب. لذلك نعت بى “شيمم” “ش ي م م” أي “شيم”، وتعني اللفظة معنى حام وحافظ ومدافع. وتجد الناس وهم ينعتون آلهتهم بهذا النعت في كتاباتهم طالبين منهم العون لشفائهم من أمراضهم ولحمايتهم من الأسوأ.

وفي جملة “اهل عثتر” وامثالها التي ترد في مختلف كتابات المسند، تعبير عن هذه الرابطة المتينة الني تربط القوم بإلههم. تعبير عن صلة ملة عثتر بربهما. الجاعة المؤمنة بالإلهَ عثتر. وتعبير عن جماعات انتمت الى الهة اخرى، وقالت عن نفسها: “اهل”. ويشبه هدا التعبير تعبير “اهل الله” الوارد في الإسلام ويراد بهم المؤمنون بالله المنقطعون له وحده العابدون القانتون الزاهدون.

وهكذا نجد شعوب حكومات العربية الجنوبية، مؤلفة من وحدات سياسية دينية. لكل وحدة رابطة روحية تربط أفرادها، جعلت “المؤمنين إخوة”، في عقيدتهم وفي تمسكهم واعتقادهم بإلَه قبيلتهم الخاص، هو إلهَ القبيلة.

ونحن إذ نقرأ لفظة “شعب” في الكتابات العربية الجنوبيهّ، يجب ان لا نفهم منها ما نفهمه من لفظة “قبيلة” في نظر الأعراب، وعند العرب الشماليين، اي رابطة دموية تجمع ابناء القبيلة، ترجع بهم إلى جدّ واحد أعلى. بل يجب علينا ان نفهمهما على وجه آخر. يجب ان نفهمهما بمفهوم “الملّة” أو “الأمة” في المصلح الإسلامي، وعلى النحو الذي فهمه المسلمون الأول من مصطلح “امة” و “ملّة”، اي رابطة تجمع بين شمل جماعات شعرت بوجود روابط دينية وفكرية واقتصادية واجتماعية بينها، وبوجود إخوة في العقيدة والرأي. على نحو ما نفهمه من آية الحجرات:” إنما المؤمنون إخوة”. وذلك كما سبق أن تحدثت عن ذلك قبل قليل.

وترد لفظة “عم” بمعنى شعب في الكتابات النبطية، وترد بهذا إلمعنى في لهجات عربية أخرى. وقد نعت ملوك النبط أنفسهم ب “رحم عمه” “راحم عمه”، أي “رحيم شعبه” أو “راحم شعبه”، بمعنى أنه محب لشعبه رحيم به. وأن ملوك النبط رحماء بشعبهم محبوّن له.

والذي يجمع شمل الدولة ويقويها ويأخذ بها إلى الحكم ثلاثة أركان:إلَه أو آلهة، يدافع أو تدافع عن الحاكم وعن رعيته، وحاكم قد يكون “كاهناً” وقد يكون ملكاً، وقد يكون أمراً، وقد يكون سيد قبيلة، واجبه حكم رعيته وارشادهم وقيادتهم في السلم والحرب، ثم رعية طيعة طائعة تدين بالولاء للآلهة وللحكام، ليس لها الاعتراض على “حق الحكم”، لأنه حق إلهي متكرر، ولا اعتراض على قدر الآلهة ومقدراتها: ومن يخالف أوامر السلطان، كان كمن يخالف أمر ربه، عاصياً خارجاً عن سواء السبيل، فيجب تأديبه، ولو بالقتل، لأن جزأء من يخرج على أمر الالهة القتل.

ومن سيماء الاخلاص للدولة ذكر أسماء الآلهة التي يتعبد لها إلحكام، اًيَ الالهة الشعب الحاكم، تيمناً بها، وتقرّباً اليها، وذكَر أسماء اّلحكام في إلكتابات في المناسبات تعبيراً عن ولاء صاحب الكتابة واخلاصه للحاكم. وذكر اسم القبيلة الحاكمة مع اسم القبيلة التي ينتمي اليها صاحب الكتابة، ليكون ذكرها تعبيراً عن الاعتراف بسيادتها عليه وعلى قبيلته.